شعراء الكرد البادينانيين: رواد الأدب الكردي
مجموعة من الشعراء الكورد والذين كتبوا الشعر باللهجة البادينانية والذي يتكلم به مناطق دهوك والكورد في تركيا وسوريا الساكنين بالقرب من حدود العراق.
فَقِيِّي تَيران (1302م – 1375م)
ولادته
ولد الشاعر الكوردي الكبير (فةقي تةيران) سنة 1302 في قرية (مسكي) الواقعة في كوردستان تركيا التابعة لمنطقة (جولمرك julamerg). حيث اشتهرت اشعاره مدافعا عن الفقراء ولم يكتب للملوك والامراء، وكانت اشعاره منتشرة بين عامة طبقات المجتمع لانه يعتمد على لغة بسيطة وسهلة لذلك كان يفهمها الجميع. كان فقي تَيران في قصائده منفتحا على الشعوب الاخرى ايضا حيث كان ينادي الى المساواة والاخوة بين الشعوب.
وفاته
توفي فقي تيران سنة 1375 بعد ان ترك لنا قصائد جميلة ورائعة لازال الاكراد يرددنها الى يومنا هذا. يقول:
"أنا من تكالبت عليه الهموم أنا من جرحه القهر أنا (فقيه تيران)"
ملاي جزيري (1567 – 1631م)
يأتي الشاعر الكبير ملا أحمد الجزيري في مقدمة الشعراء الكلاسيكيين الكرد، ويعتبر قمة شاهقة من قمم الأدب الكردي، ويذكر دائماً مع أحمد خاني و فقيه تيران كأبرز رواد الشعر الكردي، وقد كان للجزيري تأثير كبير على معاصريه كفقيه تيران وغيره، وعلى معظم الشعراء الكرد الذين جاءوا بعده. هو أحمد بن محمد الجزيري وقد ذكره أكثر من مرة في قصائده، لكنه عرف بـ (ملاي جزيري) أو (الملا) نسبة إلى مدينة الجزيرة، الواقعة على ساحل دجلة قرب جبل جودي والتي يسميها الأكراد جزيرة بوتان، وله لقب آخر أطلقه هو على نفسه (نيشاني (Nîşanî أي الهدف، لأنه كان هدفاً لسهام المحبة والهوى أو هدفاً للبلايا والمصائب بسبب عشقه، ولد في الجزيرة حوالي عام 975هجري(1567م) وينتسب إلى عشيرة البختيه الشهيرة التي كانت تسكن في مدينة الجزيرة وأطرافها.
درس أحمد السنوات الأولى من عمره مبادئ القراءة وحفظ القرآن والحساب في مساجد ومدارس الجزيرة على أيدي رجال الدين وبعد أن أنهى دراسته في الجزيرة غادرها طلباً للمزيد من العلم والمعرفة، فطاف معظم أنحاء كردستان وزار منطقة الهكاري والعمادية وديار بكر وحصن كيفا، وكان يتوقف في هذه المناطق، ليتلقى العلم من علمائها ومشايخها، فألم بمعظم العلوم المعروفة في عصره كأصول الدين والفقه والحديث والشريعة والفلسفة (علم الكلام والنحو والفلك).
أتقن الجزيري إلى جانب الكردية اللغة العربية والتركية والفارسية. فقد اهتم بالعربية لأنها لغة القرآن وأتقنها ونظم بها الشعر، أما الفارسية فقد كانت لغة الأدب والكتابة والإنشاء فأجادها الجزيري واطلع من خلالها على نتاج الشعراء الفرس أمثال الشيرازي والجامي... وبعد أن حصل على الإجازة "الشهادة" التي تخوله التدريس والتعليم ونال لقب "الملا" أي العالم بالكردية، عاد إلى موطنه بلدة الجزيرة، وأصبح معلماً - شيخاً - في مدرستها الشهيرة "المدرسة الحمراء".
اشتهر الجزيري بين الأكراد من خلال شعره الوجداني الإنساني المفعم بالأحاسيس المرهفة والجياشة والذي جمع في ديوان الذي يحوي على مائة وإحدى وعشرين قصيدة، يغلب عليها طابع العشق الإلهي والغزل المادي البحت، في الوقت الذي يضعه المتصوفة الكرد في قمة الأدب الصوفي والعشق الإلهي الخالص، وقد كان الحرمان من الوصل والفراق موضوعاً هاماً من المواضيع التي وقف عليها الجزيري، ويعتبر شعره أروع ما قيل في الكردية في موضوع الغزل.
وبالإضافة إلى الغزل تناول في شعره مواضيع عديدة من المديح والحكمة، إذ كان يمزج بين الغزل الإلهي والحكمة، وأياً كانت مواضيع شعره فقد جاءت قصائده رائعة متناسقة قوية غنية بالصور البيانية دقيقة المعنى ذات موسيقى متنوعة تلائم موضوع القصيدة، كما كان موفقاً في اختيار تعابيره وصوره البيانية، وكذلك في حسن اختيار القافية، وبذلك استطاع أن يسمو بالشعر الكردي إلى مستوى فني رفيع، ليضعه وباقتدار في مصاف روائع الأدب العالمي.
ومن المؤكد أن ملاي جزيري قد نظم قصائد تفوق بكثير مما ورد في ديوانه. كما أنه لا يستبعد أن يكون قد ألف كتباً تتناسب مع علو همته ونصاعة روحه وسمو فكره وطول باعه في مختلف العلوم، كما يبدو ذلك واضحاً في قصائده التي احتواها ديوانه الوحيد (الذي شرحه بالعربية الملا أحمد الزفنكي - مفتي القامشلي) إلا أنها مع الأسف ضاعت مع الكثير من النتاج الكردي وطوتها النسيان والإهمال.
لقد عمر الجزيري طويلاً فعاش حوالي 75 عاماً وقد توفي في بلدة الجزيرة حوالي عام الخمسين بعد الألف الهجري على الأرجح (أي العام1631ميلادي) ودفن في قبو أرضي بجنوب المدرسة الحمراء الكائنة بقرب سور مدينة الجزيرة في الجهة الغربية.
أحمدي خاني (1650 – 1708م)
"أنا عطار ولست بائع جواهر، أنا قد غرست نفسي، ولم يعن بتربيتي احد، جبلي أنا، من هذه السفوح، وهذه الكلمات تنبع من صميمي الكردي، فوقعوها بحسن ألطافكم، أصغوا إليها بسمع إصغائكم"
بهذه الكلمات يقدم أحمد خاني نفسه لقرائه في ملحمته الخالدة((مم و زين)). ولد أحمد خاني ابن الشيخ الياس في قرية((خان))بالقرب من مدينة((بيازيد))عام1650م ونسب إليها وقد نسبه البعض إلى عشيرة((خانيان)).
تلقى خاني علومه الإبتدائية في الكتاتيب والجوامع ثم في المدارس التي انتشرت في المدن الكبيرة مثل((بيازيد وتبريز وبدليس))وقدظهرت عليه علائم النبوغ وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره،وسعيا وراء المزيد من العلم والمعرفة ترك((بيازيد))وتنقل في المدن فزار عاصمة الدولة العثمانية((الآستانة))ومكث فيها فترة من الزمن يتلقى العلم من مشايخها ثم زار دمشق ومصر،فاطلع على علوم عصره ويلقفها فجمع بين الأدب،ولاسيما الشعر،والفقه الإسلامي والتصوف فذاعت شهرته مقرونة بالثقافة الواسعة والمعرفة العميقة في الأمور الدبية والفلسفية والدينية. قد أتقن أحمد خاني العربية والفارسية والتركية بالإضافة إلى لغته الكردية التي كان يعتز بها ويدعو الشبان الكرد إلى تعلمها والكتابة بها.