نبذة عن تاريخ مدينة السليمانية
تعتبر مدينة السليمانية من أهم المراكز التاريخية والثقافية في إقليم كردستان العراق، إذ تحمل إرثاً غنياً من العصور القديمة وحتى الحقبة الحديثة. يستعرض هذا المقال أهم محطات تاريخ المدينة، بدءاً من تأسيسها مروراً بالمراحل السياسية والثقافية وصولاً إلى دورها كمركز حضاري ونقطة جذب سياحية.
تأسيس المدينة وإرث أسرة بابان
تم تأسيس مدينة السليمانية عام 1784م على يد الأمير الكردي إبراهيم باشا بابان، الذي أطلق عليها اسم والده، سليمان باشا بابان. كانت المدينة عاصمة إمارة بابان التاريخية من عام 1784 حتى عام 1850. وتنتمي أسرة بابان، وهي إحدى الأسر الكردية المعروفة في شمال العراق، إلى قبيلة بني مخزوم العربية المشهورة، والتي ينحدر نسبها من الصحابي خالد بن الوليد؛ ولهذا يُعرف بعض أبنائها بأسرة بابان الخالدي. وقد تولّت الأسرة الزعامة على العديد من العشائر الكردية وأسست إمارة استمرت نحو قرنين من الزمان (1649-1851م). كما ينتسب لهذه الأسرة العديد من الشخصيات المشهورة، أبرزهم رئيس الوزراء في العهد الملكي أحمد مختار بابان وأبناء أسرة الزهاوي، منهم الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي.
زيارة البريطاني ريخ إلى السليمانية
في عام 1820م، وبعد 26 عاماً من إنشاء المدينة، زارها رجل بريطاني يدعى ريخ، وقدّر عدد سكانها بأنه تجاوز عشرة آلاف نسمة. وذكر أن المدينة كانت تضم 2000 بيت للمسلمين الكورد، و130 بيتاً لليهود، و9 بيوت للمسيحيين، و5 بيوت للمسلمين الترك. وفقاً لوثائق الحكومة العراقية لعام 1947م، ارتفع عدد سكان المدينة إلى 23,475 نسمة، ثم وصل في عام 1998 إلى 548,747 نسمة، وفي عام 2015 إلى حوالي 656,100 نسمة.
ثورة الشيخ محمود الحفيد وصمود المدينة
في 22 مايو 1919م، أعلن الشيخ السيد محمود البرزنجي، المعروف باسم الشيخ محمود الحفيد، الثورة ضد الاحتلال البريطاني في مدينة السليمانية، حيث تم اعتقال المسؤولين البريطانيين في المدينة وخاضت قواته مواجهات عنيفة مع الجيش البريطاني في العراق، أسفرت عن مقتل عدد من الجنود والضباط البريطانيين بما فيهم ضباط سياسيون. وفي الفترة من 1922 إلى 1924م، أعلن الشيخ محمود الحفيد، المنحدر من عائلة البرزنجيين التي يعود نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إقامة مملكة كردستان مع تعيين السليمانية عاصمتها. إلا أن الحملة العسكرية البريطانية الكبيرة أنهت الانتفاضة، حيث تم أسر الشيخ محمود وتوجيه حكم بالإعدام تخفّض لاحقاً إلى النفي إلى الهند.
إرث مدينة أربيل وعلاقتها بالسليمانية
تُعرف مدينة أربيل أو هولير في التاريخ القديم باسم "أربيلا"، وتعتبر عاصمة إقليم كردستان العراق وأحد أبرز المراكز الحضرية في المنطقة؛ إذ بلغ تعداد سكانها حوالي 2,932,800 نسمة حسب تقديرات عام 2020. ويعود أصل اسم "أربيل" إلى كتابات سومرية تعود إلى عام 2000 قبل الميلاد، حيث ذُكرت أسماء مثل "أربيلوم" و"أوربلوم"، مع اشتقاق الاسم من الجذر السومري "أور" أي مدينة، و"بيلا" التي ترمز إلى الارتفاع، نظراً لموقعها المتميز في المناطق العليا خلف دلتا نهر دجلة.
مدينة السليمانية الحديثة: الموقع الجغرافي والتراث الثقافي
تقع مدينة السليمانية، التي تُعرف أيضاً باسم "Silêmanî"، في محافظة السليمانية جنوب كردستان العراق. تتميز المدينة بموقعها الجغرافي بين خطي العرض (34-36) وخط الطول (45-46) درجة، وعلى ارتفاع 2895 قدماً فوق مستوى سطح البحر. وتحيط بها سلسلة من الجبال من بينها:
-
جبل أزمر (Ezmir) وجبل كويجة (Goyje) في الشمال الشرقي.
-
جبل برانان (Beranan) في الجنوب.
-
سهل شهرزور في جهة الغرب.
-
جبل بيرمكرون (Pîremegrûn)، الذي يُعد أعلى قمة جبلية في المحافظة، ويقع في الشمال الغربي.
تتمتع السليمانية بطقس جبلي، حيث يحرص الشتاء على تساقط الثلوج، بينما يكون الصيف معتدلاً في الحرارة. تأسست المدينة الحديثة على يد الأمير الكردي إبراهيم باشا بابان واختارتها كعاصمة لإمارة بابان الكردية حتى سقوط الإمارة عام 1851م. وكانت مركزاً للثقافة القومية والحركات السياسية الكردية في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث احتضنت نخبة من الشعراء والكتاب والمؤرخين والعلماء والفنانين الكرد مثل نالي شهرزوري، ومحوي، وبيراميرد، والمزيد. كما شهدت المدينة تدفق لاجئين من إمارة أردلان من بينهم الشاعرة الكردية الشهيرة مستورة خانم أردلاني، التي ساهمت بكتاباتها في إثراء التاريخ والثقافة الكردية.
جدول معلومات مدينة السليمانية
البند | التفاصيل |
---|---|
سنة التأسيس | 1784م |
العاصمة التاريخية | إمارة بابان (1784-1851م) |
السكان (1947م) | 23,475 نسمة |
السكان (1998م) | 548,747 نسمة |
السكان (2015م) | حوالي 656,100 نسمة |
الموقع الجغرافي | بين خطوط العرض (34-36) وخطوط الطول (45-46) |
الارتفاع | 2895 قدم فوق مستوى سطح البحر |
الطبيعة المناخية | جبلي بشتاء مثلج وصيف معتدل |
خاتمة مميزة
يظل تاريخ مدينة السليمانية شاهدًا على الإرث الكردي العريق، حيثُ تجمع بين ماضٍ حضاري زاخر وبقاء ثقافي وسياسي متأصل. استطاعت المدينة عبر القرون أن تكون مركزاً للنهوض الثقافي والسياسي في كردستان العراق، مما جعلها رمزاً للتحدي والابتكار في ظل تحديات الاحتلال والصراعات. إن استحضار الماضي والتأكيد على الهوية والثقافة يمنح السليمانية فرصة التربع على عرش التاريخ والتراث، ويجعلها منبراً يلهم الأجيال القادمة للمضي قدمًا نحو مستقبل مشرق يرتكز على جذور العزة والانتماء.